سورة فصلت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)}
قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً} هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو في القرآن. والمعنى: أي كلام أحسن من القرآن، ومن أحسن قولا من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن: هو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه. وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين. قال فضيل بن رفيدة: كنت مؤذنا لأصحاب عبد الله بن مسعود، فقال لي عاصم بن هبيرة: إذا أذنت فقلت: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقل وأنا من المسلمين، ثم قرأ هذه الآية، قال ابن العربي: والأول أصح، لأن الآية مكية والأذان مدني، وإنما يدخل فيها بالمعنى، لا أنه كان المقصود وقت القول، ويدخل فيها أبو بكر الصديق حين قال في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خنقه الملعون: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان. قلت: وقول ثالث وهو أحسنها، قال الحسن: هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله. وكذا قال قيس بن أبي حازم قال: نزلت في كل مؤمن. قال: ومعنى {وَعَمِلَ صالِحاً} الصلاة بين الأذان والإقامة. وقاله أبو أمامة، قال: صلي ركعتين بين الأذان والإقامة.
وقال عكرمة: {وَعَمِلَ صالِحاً} صلى وصام.
وقال الكلبي: أدى الفرائض. قلت: وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب. والله أعلم. {وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال ابن العربي: وما تقدم يدل على الإسلام، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص، دل على أنه لا بد من التصريح بالاعتقاد لله في ذلك كله، وأن العمل لوجهه. مسألة: لما قال الله تعالى: {وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولم يقل له اشترط إن شاء الله، كان في ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء الله.
قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} قال الفراء: {لا} صلة أي {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} وأنشد:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم ***- والطيبان أبو بكر ولا عمر
أراد أبو بكر وعمر، أي لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد، وما المشركون عليه من الشرك. قال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك.
وقيل: الحسنة الطاعة، والسيئة الشرك. وهو الأول بعينه.
وقيل: الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة.
وقيل: الحسنة العفو، والسيئة الانتصار.
وقال الضحاك: الحسنة العلم، والسيئة الفحش.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحسنة حب آل الرسول، والسيئة بغضهم. قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} نسخت بآية السيف، وبقي المستحب من ذلك: حسن العشرة والاحتمال والإغضاء. قال ابن عباس: أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك. وعنه أيضا: هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. وكذلك يروى في الأثر: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ذلك لرجل نال منه.
وقال مجاهد: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يعني السلام إذا لقي من يعاديه، وقاله عطاء. وقول ثالث ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام وهو المصافحة.
وفي الأثر: تصافحوا يذهب الغل. ولم ير مالك المصافحة، وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان: قد صافح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفرا حين قدم من أرض الحبشة، فقال له مالك: ذلك خاص. فقال له سفيان: ما خص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصنا، وما عمه يعمنا، والمصافحة ثابتة فلا وجه لإنكارها. وقد روى قتادة قال قلت لأنس: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. وهو حديث صحيح.
وفي الأثر: من تمام المحبة الأخذ باليد.
ومن حديث محمد بن إسحاق وهو إمام مقدم، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، فقرع الباب فقام إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريانا يجر ثوبه- والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده- فاعتنقه وقبله.
قلت: قد روي عن مالك جواز المصافحة وعليها جماعة من العلماء. وقد مضى ذلك في يوسف وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما». قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي قريب صديق. قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذيا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالقرابة.
وقيل: هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام، كان يؤذي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه، ذكره الماوردي. والأول ذكره الثعلبي والقشيري وهو أظهر، لقوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
وقيل: كان هذا قبل الأمر بالقتال. قال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم. وروي أن رجلا شتم قنبرا مولى علي ابن أبي طالب فناداه علي يا قنبر دع شاتمك، وآله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه. وأنشدوا:
وللكف عن شتم اللئيم تكرما ***- أضر له من شتمه حين يشتم
وقال آخر:
وما شيء أحب إلى سفيه ***- إذا سب الكريم من الجواب
متاركة السفيه بلا جواب *** وأشد على السفيه من السباب
وقال محمود الوراق:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ***- إن كثرت منه لدي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة ***- شريف ومشرف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ***- واتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن ***- إجابته عرضي وإن لام لائم
وأما مثلي فإن زل أو هفا ***- تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم
{وَما يُلَقَّاها} يعني هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} بكظم الغيظ واحتمال الأذى. {وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي نصيب وافر من الخير، قاله ابن عباس.
وقال قتادة ومجاهد: الحظ العظيم الجنة. قال الحسن: والله ما عظم حظ قط دون الجنة. وقيل الكناية في {يُلَقَّاها} عن الجنة أي ما يلقاها الا الصابرون والمعنى متقارب. قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ} تقدم في آخر الأعراف مستوفى. {فاستعذ بالله} من كيد وشره {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لاستعاذتك {الْعَلِيمُ} بأفعالك وأقوالك.


{وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}
قوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ} علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته {اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} وقد مضى في غير موضع. ثم نهى عن السجود لهما، لأنهما وان كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العبادة مع الله. لان خالقهما هو الله لو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما. {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} وصورهن وسخرهن، فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار.
وقيل: للشمس والقمر خاصة، لأن الاثنين جمع.
وقيل: الضمير عائد على معنى الآيات {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل. {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} يعني الكفار عن السجود لله {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} من الملائكة {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} أي لا يملون عبادته. قال زهير:
سميت تكاليف الحياة ومن يعش ***- ثمانين حولا لا أبالك يسام
مسألة- هذه الآية آية سجدة بلا خلاف، واختلفوا في موضع السجود منها. فقال مالك: موضعه {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، لأنه متصل بالأمر. وكان علي وابن مسعود وغيرهم يسجدون عند قوله: {تَعْبُدُونَ}.
وقال ابن وهب والشافعي: موضعه {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال. وبه قال أبو حنيفة. وكان ابن عباس يسجد عند قوله: {يَسْأَمُونَ}.
وقال ابن عمر: اسجدوا بالآخرة منهما. وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين والحسن وابن سيرين. وكان أبو وائل وقتادة وبكر بن عبد الله يسجدون عند قوله: {يَسْأَمُونَ}. قال ابن العربي: والأمر قريب. مسألة: ذكر ابن خويز منداد: أن هذه الآية تضمنت صلاة كسوف القمر والشمس، وذلك أن العرب كانت تقول: إن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت عظيم، فصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الكسوف. قلت: صلاة الكسوف ثابتة في الصحاح البخاري ومسلم وغيرهما. واختلفوا في كيفيتها اختلافا كثيرا، لاختلاف الآثار، وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك، وهو العمدة في الباب. والله الموفق للصواب.
قوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} الخطاب لكل عاقل أي {وَمِنْ آياتِهِ} الدالة على أنه يحيي الموتى {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} أي يابسة جدبة، هذا وصف الأرض بالخشوع، قال النابغة:
رماد ككحل العين لأيا أبينه ***- نوى كجذم الحوض أثلم خاشع
والأرض الخاشعة، الغبراء التي تنبت. وبلدة خاشعة: أي مغبرة لا منزل بها. ومكان خاشع. {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ} أي بالنبات، قال مجاهد. يقال: اهتز الإنسان أي تحرك، ومنه:
تراه كنصل السيف يهتز للندى ***- إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا
{وَرَبَتْ} أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت، قال مجاهد. أي تصعدت عن النبات بعد موتها. وعلى هذا التقدير يكون في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: ربت واهتزت. والاهتزاز والربو قد يكونان قبل الخروج من الأرض، وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض، فربوها ارتفاعها. ويقال للموضع المرتفع: ربوة ورابية، فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولا وعرضا. وقرأ أبو جعفر وخالد {وربأت} ومعناه عظمت، من الربيئة.
وقيل: {اهْتَزَّتْ} أي استبشرت بالمطر {وَرَبَتْ} أي انتفخت بالنبات. والأرض إذا انشقت بالنبات: وصفت بالضحك، فيجوز وصفها بالاستبشار أيضا. ويجوز أن يقال الربو والاهتزاز واحد، وهي حالة خروج النبات. وقد مضى هذا المعنى في الحج {إن الذي أحياها لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير} تقدم في غير موضع.


{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا} أي يميلون عن الحق في أدلتنا. والإلحاد: الميل والعدول. ومنه اللحد في القبر لأنه أميل إلى ناحية منه. يقال: ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل. ولحد لغة فيه. وهذا يرجع إلى الذين قالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} وهم الذين ألحدوا في آياته ومالوا عن الحق فقالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو شعر أو سحر، فالآيات آيات القرآن. قال مجاهد: {يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا} أي عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء.
وقال ابن عباس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه.
وقال قتادة: {يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا} يكذبون في آياتنا.
وقال السدي: يعاندون ويشاقون.
وقال ابن زيد: يشركون ويكذبون. والمعنى متقارب.
وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل.
وقيل: الآيات المعجزات، وهو يرجع إلى الأول فإن القرآن معجز. {أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ} على وجهه وهو أبو جهل في قول ابن عباس وغيره. {خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ} قيل: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله مقاتل.
وقيل: عمار ابن ياسر.
وقيل: حمزة.
وقيل: عمر بن الخطاب.
وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
وقيل: المؤمنون.
وقيل: إنها على العموم، فالذي يلقى في النار الكافر، والذي يأتي آمنا يوم القيامة المؤمن، قال ابن بحر. {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} أمر تهديد، أي بعد ما علمتم أنهما لا يستويان فلا بد لكم من الجزاء. {إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وعيد بتهديد وتوعد.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ} الذكر ها هنا القرآن في قول الجميع، لأن فيه ذكر ما يحتاج إليه من الأحكام. والخبر محذوف تقديره هالكون أو معذبون.
وقيل: الخبر {أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] واعترض قوله: {ما يُقالُ لَكَ} ثم رجع إلى الذكر فقال: {وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا} ثم قال: {أُولئِكَ يُنادَوْنَ} [فصلت: 44] والأول الاختيار، قال النحاس: عند النحويين جميعا فيما علمت. {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ} أي عزيز على الله، قاله ابن عباس، وعنه: عزيز من عند الله.
وقيل: كريم على الله.
وقيل: {عَزِيزٌ} أي أعزه الله فلا يتطرق إليه باطل.
وقيل: ينبغي أن يعز ويجل وألا يلغى فيه.
وقيل: {عَزِيزٌ} من الشيطان أن يبدله، قاله السدي. مقاتل: منع من الشيطان والباطل. السدي: غير مخلوق فلا مثل له.
وقال ابن عباس أيضا: {عَزِيزٌ} أي ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله. {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه، قال الكلبي.
وقال السدي وقتادة: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ} يعني الشيطان {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} لا يستطيع أن يغير ولا يزيد ولا ينقص.
وقال سعيد بن جبير: لا يأتيه التكذيب {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}. ابن جريج: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ} فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون. وعن ابن عباس: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} من الله تعالى: {وَلا مِنْ خَلْفِهِ} يريد من جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {تنيل من حكيم حميد} ابن عباس: {حَكِيمٍ} في خلقه {حَمِيدٍ} إليهم. قتادة: {حَكِيمٍ} في أمره {حَمِيدٍ} إلى خلقه. قوله تعالى: {ما يُقالُ لَكَ} أي من الأذى والتكذيب {إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} يعزي نبيه ويسليه {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} لك ولأصحابك {وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ} يريد لأعدائك وجيعا. وقيل أي ما يقال لك من اخلاص العبادة لله الا ما قد أوحى الى من قبلك، ولا خلاف بين الشرائع فيما يتعلق بالتوحيد وهو كقوله، {
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي لم تدعهم الا الى ما تدعو إليه جميع الأنبياء فلا معنى لإنكارهم عليك وقيل: هو استفهام أي أي شيء يقال لك {إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}.
وقيل: {إِنَّ رَبَّكَ} كلام مبتدا وما قبله كلام تام إذا كان الخبر مضمرا.
وقيل: هو متصل ب {ما يُقالُ لَكَ}. {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ} أي إنما أمرت بالإنذار والتبشير.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6